فن صياغة الخبر الصحفي
يقول الكاتب أدوين واكين:
"الاتصال المُدوَّن أو المكتوب، يختلف عن الاتصال الشفوي اختلافاً كبيراً، لأن
الـكتابة تـجري وفقاً لأساليب منتظمة حسنة الترتيب.. فهناك فعلٌ، وفاعل، ومفعول به،
وهناك عبارةٌ، ثم فقرة، ثم فصل، أي أن الأمر يسير بترتيب منطقي، نظامي، متسق، تماماً
كما يتحرك القطار على قضبان لا يحيد عنها ".
شغل المادة الخبرية جزءاً مهماً من حيز الإعلام،
لاسيما في عالمنا المعاصر حيث تسارع الأحداث وتنوعها. إلا أننا نجد بعض الوسائط الإعلامية
أكثر رواجاً من الآخر وأكثر متابعة من قبل العامة. بل نجد اللوم والعتب من العامة على
تلك الوسائط الإعلامية في حال قصورها في التغطية الخبرية تحديداً.
فسواءاً كنا نتحدث عن الصحافة المقروءة أو الإذاعة
أو التلفاز أو الإعلام الإلكتروني، فإن العنصر الأساسي الذي يبحث عن العامة هو
"الخبر".
صناعة الخبر:
رغم عدم دقة المصطلح، إلا أن شيوعه في الأدبيات
الإعلامية جعل منه مصطلحاً متداولاً، فالمؤسسة الإعلامية لا تصنع الخبر في واقع الأمر
وإنما هي وسط ناقل للخبر. وهذه التسمية تعني في حقيقتها أسلوب صياغة الخبر"، والذي
هو بمثابة التصنيع القائم على تحويل المواد الأولية من حالتها الخام إلى منتج قابل
للاستهلاك والاستخدام.
وكغيرها من الصناعات، شهدت عملية "صناعة الخبر"
تطوراً في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وامتد ذلك ليشمل لغة الخبر، وأسلوب صياغته
وتحريره، وقالبه العام، وصولاً للهيئة النهائية للخبر والتي يستقبلها به المتلقي. لذلك،
فقد اهتم الباحثون، وما زالوا، بهذا الموضوع وأولوه أهمية خاصة في البحث والدراسة للوقوف
على ما تشهده صناعة الخبر من تطورات مستمرة، بهدف وضع الأسس والأطر العامة التي يمكن
لمختلف الوسائط الإعلامية والصحافيين الاستفادة منها، وبالتالي تقديم مادة تنسجم مع
معيطات المرحلة من جهة وتوقعات المتلقي من الجهة الأخرى.
ما هو "الخبر"؟
يُعرّف الخبر بأنه "نقلٌ لحدث وقع مؤخراً،
أو لمعلومة جديدة في موضوع محدد". فالخبر ليس هو الحدث وإنما نقل الحدث. ولا ينحصر
ذلك بحدث معين أو بموضوع معين، وهذا ما يتضح عندما نتعرف على منشأ المصطلح الإنجليزي
المرادف لكلمة "خبر"، وهو "News"،
والذي يتمثل في رموز الاتجاهات الأصلية الأربعة:
N= North (الشمال)
E= East (الشرق)
W= West (الغرب)
S= South (الجنوب)
ولكي يكون الخبر مفيداً، فإنه لابد وأن يجيب على 6 أسئلة، هي:
1- من؟
|
الجهة أو الجهات ذات الدور الرئيس في الحدث
|
2- متى؟
|
زمن وقوع الحدث
|
3- أين؟
|
مكان وقوع الحدث
|
4- ماذا؟
|
وصف الحدث
|
5- كيف؟
|
تفاصيل الحدث
|
6- لماذا؟
|
خلفيات الحدث
|
وهذه الأسئلة هي مرتكز الصياغة الخبرية، حيث يترتب على ترتيب تلك
الأسئلة صياغة الخبر، فإما أن يصنع ذلك الترتيب خبراً مشوقاً، أو أن يكون خبراً
عابراً، أو خبراً ميتاً. وهذا ما سنتناوله في الدروس اللاحقة.
يتألف الخبر من ثلاثة أجزاء رئيسية هي:
أولاً: المقدمة
وهي أول جزء من الخبر والذي يحوي أهم عنصر من عناصر
الحدث، ويمثل مركز الثقل في الخبر. والمقدمة السليمة للخبر هي تلك التي تعطي لمحة عامة
عن الخبر دون الخوض في التفاصيل. ويتفاوت حجم المقدمة تبعاً لحجم الخبر. ففي الخبر
التلفزيوني أو الإذاعي مثلاً، تكون المقدمة بين 10-15 كلمة، بينما تكون في الخبر المقروء
بين 20-30 كلمة. وفي جميع الأحوال لا يجب أن تزيد المقدمة عن 50 كلمة كحد أقصى. وقد
تجيب المقدمة على سؤال أو أكثر من الأسئلة الستة التي ذكرناها سابقاً، غير أنها لا
يجب أن تجيب على تلك جميع تلك الأسئلة، حيث يفقد تفصيل الخبر (الجزء الثاني من الخبر)
قيمته، وتضعف أهمية العنصر أو العناصر الأبرز في الخبر.
والغرض من المقدمة إلى جانب إعطاء المتلقي لمحة
سريعة عن ماهية الخبر هو خلق الإثارة لدى المتلقي بحيث يكون متشوقاً لقراءة تفاصيل
الخبر.
ثانياً: التفصيل
وهي العرض الكامل للحدث المشتمل على الإجابات على
الأسئلة الستة السالفة الذكر أو معظمها في حال عدم توفر الإجابة على البعض، مرتبة حسب
الأهمية، بحيث يكون الأهم في الأعلى نزولاً نحو الأقل أهمية.
ثالثاً: الخلفية
خلفية الحدث هي أحد العناصر المهمة في التكوين العام
للخبر. ويقصد بخلفية الحدث الجذور والأحداث الرئيسية التي تسببت في حدوث الحدث الذي
يغطيه الخبر، أو تطوراته السابقة في حال كون الحدث سلسلة في جملة أحداث سابقة ذات طابع
استمراري. ويمكن أن تكون خلفية الحدث في الصياغة الخبرية مرتبة ترتيباً تنازليا أو
تصاعدياً حسب الأهمية وقالب العرض في البناء العام للخبر. وتجيب الخلفية على السؤال
السادس من الأسئلة سالفة الذكر وهو (لماذا؟).
خصائص ومعايير الخبر
يشترط في الخبر مجموعة من الخصائص أو المقاييس التي
يمثل افتقار الخبر لأي منها عنصر ضعف. أهم هذه الخصائص:
1- المصداقية: أن يكون الحدث حقيقياً قد وقع بالفعل وليس مختلقاً لأغراض
إعلامية.
2- الأهمية: أن يكون الحدث مثيراً للاهتمام بالنسبة لشريحة كبيرة من العامة.
3- لغة الخبر: أن تكون لغة الخبر بسيطة وسهلة، وأن تبتعد الصياغة عن التعقيد
والاستخدام غير الضروري للمصطلحات التي ربما يجهلها بعض المتابعين. كذلك، لابد أن ينتقي
محرر الخبر الكلمات والعبارات المناسبة لوصف الخبر، وأن لا يعمد لاستخدام الكلمات التي
ربما تكون غير شائعة الاستخدام، كاستخدام مفردات من اللهجة الدارجة لمجتمع ما، إلا
إذا اقتضت الضرورة ذلك مع ضرورة أن يُتبعها المحرر بشرح موجز أو مرادف سليم يفهمه المتلقي.
4- الإيجاز: أن يكون عرض الخبر موجزاً قدر الإمكان.
5- الوضوح: أن يكون الخبر واضحاً غير مشتمل على الغموض بحيث يفهمه المتلقي
دون تأويل ودون الحاجة للمزيد من الشرح والتفسير.
6- التوازن: أن يكون عرض الخبر متوازناً بحيث يعطي كل عنصر من عناصر الخبر
وزنه المناسب، فلا يكون التركيز على أحد أو بعض العناصر على حساب العناصر الأخرى.
7- المصدر: تعتبر نسبة الخبر لمصدره أحد موارد المصداقية في الخبر، علاوة
على أنها تعفي ناقل الخبر من المسؤولية في حال اشتمال الحدث على ما هو غير حقيقي.
بنية الخبر
يتألف بناء الخبر من أربعة أجزاء، هي:
أولاً: العنوان:
وهو عبارة عن عبارة أو أكثر يتناسب مضمونها
وطولها مع حجم المادة التحريرية للخبر. ويتعين أن يكون عنوان الخبر ذا صلة قوية
بمضمون الخبر بحيث يعطي بإيجاز دلالة على ذلك المضمون. كما يجب أن يحمل العنوان
إثارة وجاذبية واقعية تشجع المتلقي على متابعة الخبر. ويقصد بالإثارة الواقعية، أن
لا يكون العنوان جامداً وكأنه معلومة عابرة، ولكن في المقابل لا يجب أن يكون
مبالغاً فيه بحيث لا يجد المتلقي في المادة الخبرية ما يتناسب وقوة العنوان.
هناك نوعان من العناوين، هما:
العنوان الرئيسي: والذي يكون في الغالب جملة
إسمية خبرها جملة فعلية. وللعنوان الرئيسي أربعة أنواع هي:
1- عنوان المقارنة: وهو
العنوان المشتمل على مقارنة بين أمرين، ومثال ذلك: "نقص حاد في المواد
الغذائية وارتفاع في تكاليف التوريد".
2- العنوان المقتبس: وهو
العنوان المبني على اقباس من حديث أو عبارة لشخصية ترتبط بموضوع الخبر، ومثال ذلك:
"المعارضة البحرانية: لا بديل عن تحقيق مطالب الشعب".
3- العنوان الوصفي: وهو وصف
للحدث الرئيسي في الخبر، ومثال ذلك: "اتساع رقعة الاحتجاجات لتشمل الحي
المالي".
4- العنوان الاستفهامي: وهو
استفهام يراد منها الإثارة، ومثال ذلك: "هل يشهد العالم تدخل الأمم
المتحدة لوقف نزيف الدم؟".
5- العنوان التوضيحي: وهو
بيانٌ لموضوع الخبر، ومثال ذلك: "إجراءات جديدة تهدف لاستتباب الأمن".
6- العنوان التوجيهي: وهو
العنوان المشتمل على توجيه للمتابع للقيام بفعل ما، ومثال ذلك: "تجديد
بيانات المقترعين بين الثالث والعاشر من الشهر الجاري".
ثانياً: المقدمة:
ذكرنا سابقاً أن المقدمة هي أهم جزء في متن
الخبر، ذلك أنها تمثل مدخل الخبر والتي يقرر بعدها المتلقي متابعة الخبر أو
التوقف. لذا، يجب أن تتميز المقدمة بالمميزات التالية:
1- أن تشتمل المقدمة على عنصر
الجاذبية للمتلقي.
2- أن تغطي الأجزاء المهمة من الحدث
موضوع التغطية.
3- أن لا تزدحم بالمعلومات والآراء
والأحداث بما يمكن أن يشتت ذهن المتلقي.
4- أن لا تكون المقدمة أكبر من حجم
الخبر.
5- أن تجيب على بعض الأسئلة الستة
(من، متى، أين، كيف، ماذا، لماذا؟).
ثالثا: جسم الخبر:
يمثل الخبر القاعدة المهمة في الأحداث
والوقائع، فهو يتضمن الشروح والتفاصيل، والتي تكون مدعومة بالبيانات أو الإثباتات
أو الوثائق ذات الصلة بالموضوع.
ويجب أن يتبنى المحرر قالباً واحداً في صياغة
الخبر وأن لا يتنقل بين القوالب المتعددة التي سبق التعرض لها، وإلا بدى الموضوع
غير مترابط، وبعث على الضجر والملل لدى المتابع، علاوة على إمكانية إحداث حالة من
الغموض التي لا يجب أن يحتويها الخبر. وللمحرر أن ينتقي القالب الأمثل الذي يناسب الخبر
أثناء تحريره، فخيار القالب متروك للمحرر، غير أنه ينبغي التنبيه على أهمية أن
يراعي المحرر في اختياره للقالب طبيعة الموضوع ونوع الرسالة المراد إيصالها من
خلال الخبر. أي أن اختيار القالب لا يجب أن يكون بعيداً عن المتلقي، وإلا فقد
الخبر قوته.
رابعاً: خلفية الخبر:
خلفية الخبر، هي جزء لازم للتعريف بمقدمات
الحدث وأسباب حدوثه. وتكمن أهميتها في مساعدة المتابع على الإلمام بموضوع الخبر
لاسيما إذا كان الخبر لم يحقق الانتشار الواسع بعد. وتبرز أهمية خلفية الخبر في
تغطية الأحداث المتسلسلة وذات الطابع الاستمراري التصاعدي. كما يكون هذا الجزء
مهماً أيضاً في حال الأحداث المتقطعة ذات النسق المترابط. فمثلاً عندما تشهد بلدة
ما احتجاجات أمنية ثم تقوم السلطات بقمعها بقوة ما يتسبب في توقفها لفترة من
الزمن، لتتجدد بعد فترة زمنية ما، فإنه من المهم أن يربط المحرر الحدث الجديد بالحدث
أو الأحداث السابقة لتمكين المتلقي من الإلمام بالصورة الكلية للحدث.
وفي المقابل، فإن خلفية الخبر تكون عبئاً على
المقال الخبري إذا ما كانت الخلفية ذات شيوع أو تواتر، حيث يرى المتلقي أن إيراد
هذه المعلومات إنما هو من قبيل الحشو الزائد الذي لا فائدة منه. وهنا، ينبغي على
المحرر أن يكون ملماً ومطلعاً على الموضوع الذي يغطيه بخبره حتى لا يقع فريسة
القرار الخاطئ في تضمين أو حذف هذا الجزء.
خامساً: الخلاصة:
الخلاصة هي جزء زائد على الخبر، لكنها تكون
مهمة في بعض الأحيان تبعاً للموضوع من جهة وأسلوب العرض من الجهة الأخرى. كما يحدد
أهمية هذا الإجراء طول الموضوع وحجم التفاصيل. والغرض من الخلاصة هو مساعدة
المتلقي على ربط الأجزاء المختلفة للموضوع والانتهاء بنتيجة محددة المعالم.